404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة

شرح حديث / من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين

كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم الكذب

شرح العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

شرح - حديث - من - تحلم - بحلم - لم - يره - كلف - أن - يعقد - بين - شعيرتين

شرح حديث / من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين


أحاديث رياض الصالحين: كتاب الأمور المنهي عنها: باب تحريم الكذب


١٥٥٢ - وعن ابن عباسٍ -رضي اللَّه عنْهُما- عن النَّبي ، قالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لمْ يرَهُ، كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بيْن شَعِيرتينِ، ولَنْ يفْعَلَ، ومِنِ اسْتَمَع إِلَى حديثِ قَوْم وهُمْ لهُ كارِهُونَ، صُبَّ في أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيامَةِ، ومَنْ صوَّر صُورةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أنْ ينفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَليْس بِنافخٍ» رواه البخاري.

«تحلم» أي: قال إنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا، وهو كاذب. و«الآنك» بالمد وضم النون وتخفيف الكاف: وهو الرصاص المذاب.

 

الشرح:

قال الحافظ النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه (رياض الصالحين) في باب تحريم الكذب فيما نقله عن ابن عباس -رضى الله عنهما- أن النبي قال: «من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين» وليس بعاقد، يعني: من كذب في الرؤيا قال: رأيت في المنام كذا وكذا وهو كاذب، فإنه يوم القيامة مكلف أن يعقد بين شعيرتين، والمعلوم أن الإنسان لو حاول مهما حاول أن يعقد بين شعيرتين فإنه لا يستطيع، ولكن لا يزال يعذب ويقال: لا بدَّ أن تعقد بينهما، وهذا وعيد يدل على أن التحلم بحلم لم يره الإنسان من كبائر الذنوب، وهذا يقع من بعض السفهاء، يتحدث ويقول، رأيت البارحة كذا وكذا؛ لأجل أن يضحك الناس وهذا حرام عليه، وأشد من ذلك أن يقول: رأيت النبي وقال لي: كذا وكذا وما أشبه ذلك، فإنه أشد وأشد، لأنه كذب على رسول الله ، أما من تحلم بحلم رآه فهذا لا بأس به، ولكن ينبغي للإنسان أن يعلم أن ما يراه الإنسان في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

 

القسم الأول: يكون خيرا ويستبشر به الإنسان ويفرح به الإنسان، فهذا لا يحدث به إلا من يحب، لأن الإنسان له حساد كثيرون، فإذا رأى رؤيا حسنة وحدث بها من لا يحب فإنه ربما يكيد له كيدا، يحول بينه وبين هذا الخير الذي رآه، كما فعل إخوة يوسف صل الله عليه وسلم، فإن يوسف بن يعقوب صل الله عليه وسلم، وعلى أبيه قال لأبيه: {يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: ٤] يعني: رأيت هؤلاء أحد عشر كوكبا، يعني: نجوما والشمس والقمر كلها تسجد لي فقال له: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يوسف: ٥] فلا تخبر إنسانا ليس من أحبائك وأصدقائك الذين لا يودون لك ما يودون لأنفسهم، لا تخبرهم بما ترى من رؤيا الخير.

 

القسم الثاني: رؤيا الشر، مما يراه الإنسان في المنام، رؤيا شر تزعج وتخوف، هذا لا تخبر به أحدا أبدا لا صديقك ولا عدوك، وإذا قمت من منامك فاتفل عن يسارك ثلاثا وقل: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت.

وإن كنت تريد أن تواصل النوم فنم على الجنب الآخر، يعني: لا على الجنب الذي رأيت فيه ما تكره فإنها لا تضر، فمن رأى ما يكره يعمل ما يلي: إن استيقظ يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت.

إن أراد أن يواصل النوم ينام على الجنب الثاني إذا قام، فلا يخبر بها أحدا؛ لأن ذلك لا يضره، فإذا فعل هذا فإنه لا يضره بإذن الله، وكان الصحابة يرون الرؤيا تمرضهم وتقلقهم فلما حدثهم النبي بهذا الحديث فعلوا ما أرشدهم إليه واستراحوا، وكثير من الناس مبتلى يبحث عن الشر لنفسه؛ يرى الرؤيا يكرهها ثم يحاول أن يقصها على الناس ليعبروها له، وهذا غلط إذا رأيت الرؤيا تكرهها فهذا عندك دواء من أحسن الأدوية بل هو أحسن الأدوية، علمك إياه رسول الله .

 

القسم الثالث: رؤيا أضغاث أحلام، ليس لها رأس ولا قدم، يرى الإنسان أشياء متناقضة ويرى أشياء غريبة، وهذه لا تحدث بها أحدا ولا تهتم بها، وقد حدث رجل رسول الله حديثا قال: يا رسول الله رأيت في المنام أن رجلا قد قطع رأسي، فذهب الرأس شاردا، فذهبت وراءه لاحقا له.

فقال له النبي : «لا تحدث الناس بما يتلعب بك الشيطان في منامك».

وهذا من الشيطان يقطع رأسك ويشرد بها وأنت تلاحقه، هذا ما له أصل، فمثل هذه الأشياء لا تهتم بها ولا تحدث بها أحدا، أما من رأى الرسول فإذا رأى الرسول على الوصف المعروف الذي وصف السيرة النبوية، ورآه على هيئة حسنة فهذا يدل على خير لهذا الرائي وأنه قد تأسى به أسوة حسنة، وإن رآه على خلاف ذلك فليحاسب نفسه، فإذا رآه مثلا أنه يحدث الرسول ولكن الرسول معرض عنه أو الرسول قد ولى وتركه ورآه على هيئة غير حسنة، يعني مثلا: من ثيابه أو ردائه أو إزاره أو مل شابه ذلك، فليحاسب نفسه، فإنه مقصر في اتباع الرسول .

 

ثم قال: «ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة» يعني: الذي يتسمع إلى أناس وهم يكرهون أن يسمع فإنه يصب في أذنيه الآنك يوم القيامة.

قال العلماء: الآنك هو الرصاص المذاب والعياذ بالله، والرصاص المذاب بنار جهنم أعظم من نار الدنيا بتسع وستين مرة، وسواء كانوا يكرهون أن يسمع لغرض صحيح أو لغير غرض؛ لأن بعض الناس يكره أن يسمعه غيره ولو كان الكلام ما فيه خطأ ولا فيه سب، ولكن لا يريد أن أحدا يسمعه، وهذا يقع فيه بعض الناس، تجده مثلا إذا رأى اثنين يتكلمون يأخذ المصحف ويجلس قريبا منهم ثم يبدأ يطالع المصحف كأنه يقرأ، وهو يستمع إليهم وهم يكرهون ذلك، هذا الرجل يصب في أذنيه الآنك يوم القيامة فيعذب هذا العذاب -والعياذ بالله.

 

ثم قال: «ومن صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها الرّوح وليس بنافخ» واعلم أن الصورة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: صور مجسمة، بأن يصنع الإنسان تمثالا على صورة إنسان أو حيوان، فهذا محرم، سواء أراده لغرض محرم أو لغرض مباح، مجرد هذا التصوير محرم، بل هو من كبائر الذنوب، لأن النبي لعن المصورين وبين أن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله.

والقسم الثاني: الملون، يعني: ليس له جسم بل هو بالتلوين، فهذا قد اختلف العلماء فيه فمنهم من أجاز وقال: لا بأس به إلا إذا قصد به غرضا محرما مثل أن يقصد به التعظيم -تعظيم المصور- فإنه يخشى إذا طال بالناس زمن أن يعبدوه كما جرى لقوم نوح فيما يذكر أنهم صوروا صورة لرجال صالحين ثم عبدوها لما طال الزمن وقال بعض العلماء: إنه لا بأس به إذا كان ملونا واستدلوا بحديث زيد بن خالد وفيه: «إلا رقما في ثوب» قالوا: هذا يدل على أن هذا مستثنى فيدل على أن المحرم ما له روح فقط، ولكن الراجح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا فرق بين المجسم وبين الملون الذي يكون بالرقم كله محرم؛ لأن الذي يرقم باليد صورة يحاول أن يكون مبدعا مشابها لخلق الله عز وجل، فيدخل في العموم.

 

وأما الصور التي تلتقط التقاطا بالآلة المعروفة، آلة التصوير الفوتوغرافية، فهذه من المعلوم أنها لم تكن معروفة في عهد الرسول ، والمعروف في عهده إنما هو التصوير باليد الذي يضاهي به الإنسان خلق الله عز وجل، أما هذه الآلة فغير معروفة، وليس الإنسان يصورها بيده ويخططها، يخطط الوجه مثلا، والعينين، والأنف، والشفتين، وما أشبه ذلك، لكنه هو يلقي ضوء معينا تقدمت به معرفة الناس فتنطبع هذه الصورة في ورقة، وهو لم يحدث شيئا في الصورة لم يصورها إطلاقا وإنما التقطت هذه الصورة بواسطة الضوء فهذا لا شك أنه فيما نرى أنه لم يصور، غاية ما هنالك أن الصورة طبعت بالورقة، فكان الذي بالورقة هو خلق الله عز وجل، يعني: هذه الصورة هي الصورة التي خلقها الله، والدليل على ذلك أن الإنسان لو كتب كتابا بيده ثم صوره بالآلة، آلة التصوير، فإنها إذا طلعت الصورة لا يقال: إن هذا هو كتابة الذي حرك الآلة وصور (الشخص القائم بالتصوير) بل يقال: هذا كتابة الأول الذي خطه بيده، فهذا مثله.

 

ولكن يبقى النظر لماذا صور الإنسان هذه الصور الفوتوغرافية، إذا كان لغرض محرم فهو حرام من باب تحريم الوسائل، كما لو اشترى الإنسان سلاحا في فتنة أو بيضا لقمار أو ما أشبه ذلك، يعني: أن هذا مباح، ولكن لغرض محرم فلا يجوز من باب تحريم الوسائل، أما إذا كان الغرض مباحا كتصوير لاستخراج رخصة السيارة أو البطاقة الشخصية وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به، هذا هو الذي نراه في هذه المسألة، والناس ابتلوا بها الآن بلوى عظيمة وصارت منتشرة في كل شيء، ولكن يجب على الإنسان أن يعرف ويحقق ويميز بين ما حرمه الله ورسوله وبين ما لم يأت تحريمه، فلا نضيق على عباد الله، ولا نوقعهم في محارم الله، هذا إذا كان المصور له روح لقوله: «كلف أن ينفخ فيها الروح» أما إذا كان المصور لا روح له، كتصوير الأشجار والشمس والقمر والنجوم والجبال والأنهار، فهذا لا بأس به لأنه ليس فيه روح.

 

وقال بعض العلماء: ما كان ناميا كالشجر والزرع فإنه لا يجوز تصويره، لأنه جاء في الحديث: «فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة» وهذا نام فيشبه ما كان له روح لكن هذا خلاف قول جمهور العلماء، والصحيح أنه لا بأس به، أما ما يصنعه الإنسان فلا شك أنه يجوز تصويره كالقصور والسيارات وما أشبهها فصارت الآن الأقسام متعددة، ما يصنعه الإنسان بيده فهذا لا بأس من تصويره، مثل السيارات والقصور والأبواب وما أشبه ذلك وما هو خلق الله عز وجل، وليس بنام لا ينمو كالشمس والقمر والنجوم والجبال والأقمار، فهذا أيضا لا بأس به وهذا محل اتفاق، وما كان من خلق الله وليس له روح ولكنه ينمو كالشجر والزرع وما أشبهه فجمهور العلماء على أنه لا بأس به، وذهب بعض العلماء ومنهم مجاهد بن جبر -تابعي مشهور- إلى أنه حرام، والصحيح أنه لا بأس به، وأما ما فيه روح فهذا لا يجوز أن يصور، لأن النبي لعن المصورين، وأما مسألة التقاط الصور فهذا لا نرى أنه داخل في التصوير إطلاقا، لأن الملتقط لم يحصل منه فعل يكون به التصوير، ولكن يبقي النظر خلف أنه يلتقط هذه الصور لشيء محرم أو لا هذا هو محل التفصيل. والله الموفق.


الحمد لله رب العالمين

اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ جَنّات النَعيمْ

تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

مواضيع ذات صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة 2013-2017 ل فذكر
تصميم : مستر ابوعلى